الملاحظات الافتتاحية لرئيس الجمهورية الفرنسية خلال المؤتمر الصحفي في العراق

٢٨ أغسطس ٢٠٢١ - Seul le prononcé fait foi

Télécharger le .pdf

الملاحظات الافتتاحية لرئيس الجمهورية الفرنسية خلال المؤتمر الصحفي في العراق

معالي الوزير،
حضرات السيدات والسادة أعضاء البرلمان،
سعادة السفراء،
حضرات السيدات والسادة،

إنّي أتوجّه إليكم بهذه الإحاطة الإعلامية بعد مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة، الذي عقدناه للتوّ، وذلك عقب اللقاءات الثنائية التي أُجريت مع رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء فضلاً عن المحادثات التي أجريتها مع العديد من النظراء الذين شاركوا في هذا المؤتمر، ولا سيما الرئيس عبد الفتاح السيسي، ورئيس وزراء الكويت، وأمير قطر وغيرهم من ممثّلي البلدان الحاضرين. وسنتمكّن من مواصلة هذه الرحلة والالتقاء برئيس البرلمان، وسأتمكّن أيضًا من استئناف لقاءات مختلفة اليوم وغدًا، وسأتحدّث عنها في ما بعد.

أما النقطة الأولى التي أودّ أن أتطرّق إليها فهي علاقتنا الثنائية وماهيّة هذا المؤتمر. وتتمثّل رغبتنا، وهي نتيجة المناقشات التي أجريناها مع الرئيس صالح منذ سنتين اثنتين، في مساعدة العراق على بناء مستقبله فعلًا، وبالتالي في العمل على مكافحة الإرهاب وتحقيق الاستقرار الإقليمي على حد سواء. وبالفعل، كان العراق ساحةً للنزاعات والأعمال المزعزعة للاستقرار خلال العقود الأخيرة. فقد شهدت السنوات الأخيرة حربًا ضد تنظيم داعش، من جهة، والأعمال المزعزعة للاستقرار من عدة بلدان مجاورة، ووجود الميليشيات التي ساهمت في إضعاف الدولة من جهة أخرى. ولا يمكن تحقيق السلام والاستقرار في العراق إلا من خلال جدول أعمال يضمن الاستقرار الإقليمي. وبالتالي، تمثّل الغرض الرئيسي من هذا المؤتمر في الاستجابة للتحديات التي يواجهها العراق، ويعقد هذا المؤتمر في سياق جيوسياسي لا يمكن لأحد تجاهله، ينطوي على إعادة تشكيل القوى الإقليمية والدولية على السواء، الأمر الذي أعتقد أنه أظهر أيضا أنّ للعراق القدرة على بناء منتدى غير مسبوق لإجراء المناقشات وإتاحة الفرصة أمام القوى في المنطقة التي قطعت الصلات في ما بينها أو التي كانت قد قطعت الصلات في ما بينها في ذلك الحين، أن تعمل معًا حول هذه المسألة الأساسية. وهو بالنسبة لي الجانب الأهمّ للمؤتمر الذي عقدناه للتوّ.

وفي هذا الصدد، ذكّرت في مجال مكافحة الإرهاب، بالتزام فرنسا منذ عدّة سنوات، كما تعلمون، تجاه العراقيّات والعراقيين، وفي إطار التحالف الدولي. وقد خاض المقاتلون والمقاتلات في العراق هذه المعركة بكثير من الشجاعة. وأودّ أن أذكّر بذلك، وأن أثني من جديد على جهودهم، وسأتمكّن أيضًا من القيام بذلك غدًا خلال لقائي بعدد من أسر المقاتلات والمقاتلين من قوات البيشمركة. وإنّي أعتقد أنه عنصر ينبغي ألّا ننساه خلال هذه الفترة. ونواصل التزامنا، لأنه، حتى ولو تمكّنا من هزم خلافة الدولة الإسلامية، فإنّ المعركة ضد الإرهاب الإسلامي ما زالت قائمة. وفي هذا الصدد، أعربت بكل وضوح عن التزام فرنسا في الحاضر وفي المستقبل بالتحالف الدولي ما دامت الحكومة العراقية ترغب في ذلك وما دام أمن العراق يعتمد على ذلك، مهما كانت خيارات حلفائنا، إذا ما أردت أن أكون صريحًا جدًا. وكما تعلمون، تشارك فرنسا بأكثر من 800 جندي في المنطقة في إطار التحالف الدولي ولمكافحة تنظيم داعش، وتتواجد هذه القوّات في موقعين اثنين رئيسيين وهما العراق من جهة، ولا سيما في أربيل حيث سأزور غدًا قوّاتنا الخاصة في مخيّم "غرونيه" الذي لقّب بهذا الاسم تكريمًا للجندي الفرنسي الذي سقط في خريف عام 2017؛ وفي قاعدة الأمير حسن الجوية (H5) في الأردن من جهة أخرى، حيث توجد قوّاتنا الجوية، بالإضافة إلى العديد من القوّات المساعدة ولا سيما في قاعدتنا في الإمارات العربية المتحدة. هذه هي الركيزة الأولى التي جدّدت فرنسا التزامها على أساسها، وأعتقد أنّ مؤتمر اليوم قد أبرز ما يمثّل أيضًا عنصرًا مهمًا جدًا: وهو التزام جميع الجهات المعنية، وأعني هنا جميع الجهات المعنية، بمواصلة مكافحة الإرهاب.

أما العنصر الثاني فهو الاستقرار عن طريق الحفاظ على سيادة العراق. فكما تعلمون، توجد الميليشيات بشكل كبير على الأراضي العراقية. وقد حدثت عدّة هجمات في شمال البلاد ترتبط بأعمال إرهابية تنطلق من الأراضي العراقية باتجاه تركيا. وقد بات من الواضح جدًا أنه ثمة اليوم هجمات متعددة تهدّد هذه السيادة. وتتمثل رغبتنا، في إطار علاقتنا الثنائية ومن خلال هذا المؤتمر، من ناحية أولى، في تعزيز قدرات الدولة العراقية ومواصلة التعاون من خلال تعزيز الاستثمارات وتدريب الجيش العراقي، ومن ناحية أخرى، من خلال إجراء المناقشات والتبادل- وقد كان هذا من بين منافع هذا المؤتمر – في حثّ البلدان المجاورة الرئيسية على التعاون من أجل الحدّ من التدخلات وإتاحة الفرصة بالتحديد أمامها للتعاون بشكل أكبر مع القوّات العراقية.

أما العنصر الثالث الذي تطرّقنا إليه في إطار جدول الأعمال هذا من أجل دعم الاستقرار وتنمية العراق، فتمثّل من غير شك في المواضيع الاقتصادية. فمكافحة الإرهاب، وتحقيق الاستقرار والسيادة، ثم التقدّم إذا ما جاز القول، والتنمية الاقتصادية، لأنّنا، كما نعلم، لا يمكننا أن نحقّق الاستقرار على المدى الطويل ما لم نحرز تقدّمًا فعليًا. والتقدّم هو أوّلًا التقدّم الذي يصبّ في مصلحة المجموعات السكّانية التي شُرّدت. وهي كثيرة. وأودّ أن أذكّر هنا بالتزامنا، وأشيد بالتزام الحكومة العراقية في هذا المجال، لمساعدة المجتمعات التي شُرّدت، ولا سيما السكّان الإيزيديين الذين ما زال 000 200 من بينهم في عداد النازحين. وأرحّب في هذا الصدد بمشاركة السيدة نادية مراد الحائزة على جائزة نوبل للسلام في وفدنا وهي معنا اليوم، وأثني على التزامها القيّم. وما زال قضاء سنجار يشهد بالفعل أعمالًا من شأنها زعزعة الاستقرار وما زال ساحةً للنزاعات المستمرة، وهو في حالة من انعدام الأمن لأنّ هذه المنطقة هي ضحيّة الأعمال الإرهابية التي يقوم بها البعض والتفجيرات التي ينفذّها الجيش التركي. وبالتالي، لا بدّ من العمل من أجل تحقيق الاستقرار، ولكن أيضًا من أجل التنمية الاقتصادية والاستدامة. وستتاح لي الفرصة لأذكّر السيدة نادية مراد بذلك بعد قليل، وسنواصل العمل مع السكّان الإيزيديين، وقد قمنا باستثمارات كثيرة في مجالات الصحة والتعليم، وفاءً لالتزاماتنا في هذا المجال. وأودّ أن أقول إنّنا سنواصل التزامنا في جميع هذه المسائل إلى جانب السكّان الإيزيديين. وهذه نقطة هامّة في الاستراتيجية الإنمائية التي أشرت إليها آنفًا، وتقترن بالتزامات مالية ستتاح لي فرصة توضيحها لاحقًا، ولا سيما بناء مستشفى في سنجار حيث نواصل تعبئة طاقاتنا بصورة جماعية لمرافقة جميع النازحين في تنفيذ الاستراتيجية التي ذكرتها.

وإنّ هذه الاستراتيجية أيضًا، التي ترتكز على التقدّم والتنمية الاقتصادية، ضرورية في سياق يواصل فيه العراق نموّه من وجهة نظر ديمغرافية، وقد ذكرت هذا الصباح أنّه ثمة في كل عام أكثر من 000 500 شابّ عراقيّ يدخلون إلى سوق العمل. وبالتالي، ثمة حاجة إلى استحداث مشاريع اقتصادية للمساعدة في تنمية البلاد. ويمثّل ذلك جوهر علاقتنا الثنائية، من خلال المشاريع التي شرعنا بها في مجالات الطاقة والنقل والتأهيل، ومشاريع معالجة المياه التي تشارك فيها المنشآت الفرنسية بشكل واسع، وتندرج هذه المشاريع في صميم جدول الأعمال الإقليمي الذي وضعناه خلال هذا المؤتمر، والذي يهدف إلى إعداد مشاريع هيكلية كبيرة من ناحية البنى التحتية، من شأنها أن تمكّن بصفة خاصة في محور بغداد - العقبة، وقد تطرّقنا إلى هذا الموضوع مرّات عدّة في صباح اليوم، من إقامة مشاريع في مجالات المياه والطاقة والسكك الحديدية والبنى التحتية، وهي مشاريع تكتسي أيضًا أهمية بالغة.

كما ترون، هدف هذا المؤتمر الدولي إلى توجيه رسالة بسيطة: لا تدخلات ولا لامبالاة، وإنمّا التزام واضح من المنطقة بأسرها ومن جانب فرنسا لمساعدة العراق على تحقيق الاستقرار التامّ والسيادة والسلام وضمان التنمية لشعبه ولا سيّما لشبابه. ويأتي هذا كلّه دعمًا لعمل الرئيس صالح وزخم الإصلاح في حكومة الكاظمي الذي أودّ أن أشيد به في هذه المناسبة. فقد أُجريت إصلاحات جريئة، ويجري التحضير للعملية الانتخابية أيضًا بشجاعة وتم تأكيد موعد الانتخابات في 10 تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، الأمر الذي يمثّل بالنسبة لنا نقطة هامة جدًا ذكّرنا بها، وهو ما أتاح بحسب اعتقادي إجراء هذا المؤتمر في أفضل ظروف ممكنة.

هذه هي العناصر التي أردت أن أطلعكم عليها سريعًا عقب الجزء الأول من هذه الزيارة. وكما قلت منذ قليل، سنتوجّه بعد فترة وجيزة إلى البرلمان لأنني أوّلًا برفقة وفد برلماني مرموق، وأتوجّه بالشكر إلى أعضاء برلماننا الفرنسيين على حضورهم القوي كمًّا ونوعًا، وكذلك لأنّ البرلمان سيضطلع بدور بالغ الأهمية في توفير إطار قانوني لهذا التعاون ولمواصلة العمل الذي تم التعهّد به.

إنّ هذه الزيارة هي أيضًا مخصّصة بالنسبة لي لعلاقتنا الثنائية مع العراق، وقد أقمنا شراكة تنطوي بطبيعة الحال، على مكافحة الإرهاب، وتنفيذ الإجراءات الرامية إلى تحقيق الاستقرار، وجدول الأعمال الإقليمي هذا والعديد من المشاريع الهامة، ولكنّها أيضًا فرصة، إلى جانب الوفد الثقافي والفكري والديني الذي يرافقني، للالتقاء بجميع مكوّنات الشعب العراقي بجميع أطيافه. ويتوافق هذا مع تاريخ فرنسا. ولدينا تاريخ عريق يجمعنا بالعراق، وأودّ هنا أن أشيد بالتزامنا الطويل الأمد تجاه مختلف الطوائف، ولا سيما تجاه المجتمعات المسيحية ومسيحيي الشرق. وأرحّب بحضور نيافة المونسنيور غولنيش إلى جانبنا هنا. ويمثّل ذلك ماهيّة الالتزام التاريخي للسيدة دانييل ميتران عبر مؤسستها ودورها الشخصي تجاه الشعب الكردي. وهو أيضًا جوهر عملنا الفكري والثقافي والتربوي. ويضطلع السيد بيرسوناز بمهمّة نيابةً عن وزير الشؤون الخارجية، ونحن نعمل على توطيد أواصر هذا التعاون في المدارس ومع مراكز التراث الديني. وقد تمكّنا في هذا المجال من القيام بأعمال مفيدة، وسنواصل القيام بها. واضطلعت مؤسسة التحالف الدولي لحماية التراث في مناطق النزاع بعمل بالغ الأهمية، وإنّي أثني على جهود الرئيسة ونائب الرئيسة اللذان قاما بعمل مهمّ للغاية، وساهما في ترميم عدد من الآثار الثقافية والدينية التي تكتسي أهمية بالغة في العراق، بالاشتراك مع وكالة التنمية الفرنسية أو اليونسكو، ويضطلع كذلك معهد العالم العربي بأعمال بنيوية هامة منذ عدّة سنوات إلى جانب الشعب العراقي بجميع أطيافه ومن أجله.

سأنتقل بعد فترة وجيزة إلى الكاظمية برفقة رئيس الوزراء، وهو مكان مقدّس ومركز للدراسة عند الطائفة الشيعية. ويمثّل ذلك علامة احترام وتقدير تجاه الطائفة الشيعية بأكملها، وأعتقد أنّها المرة الأولى التي يقوم بذلك رئيس جمهورية فرنسية. ثم سأنتقل في المساء إلى أربيل، ما سيسمح لي بأن أكون غدًا في الصباح إلى جانب قوّاتنا. وسأزور الموصل غدًا. الموصل، التي لا تزال تحمل أثار جرائم تنظيم داعش. وسأحمل لسكّانها رسائل وسأعبّر لهم عن تضامننا. وسألتقي ممثلّي الطوائف المسيحية. وسنتعهّد كذلك بالتزامات هامة، بما يشمل للمساعدة على إعادة ترميم العديد من الأماكن المرتقبة، وسأعلن عنها غدًا. وسأتمكّن أيضًا من زيارة ممثّلي الطائفة السنّية مرةً أخرى، ثم سأقابل أيضًا السلطات الكردية والمقاتلين الأكراد، كما ذكرت آنفًا، لأعرب لهم عن تضامن فرنسا ودعمها كما ذكرت قبل قليل للإيزيديين. وكما ترون، سنقوم من خلال هذه الرحلة إذا جاز التعبير، وهذا المسار الذي يهدف إلى الاعتراف بغنى وبجميع مكوّنات الشعب العراقي، بمواصلة هذه الزيارة عقب انتهاء المؤتمر. سأباشر الآن بالإجابة عن أسئلتكم. 
 

الصحفي
صباح الخير، لدي سؤالان، الأول بشأن المؤتمر الصحفي. لقد استمعنا إلى الخطابات والمداخلات التي ألقاها الجميع بنبرة ودودة وهادئة للغاية بصورة عامة، واستمعنا إلى الإيراني يتحدث باللغة العربية ما يعبّر عن الكثير من حسن النية، ولكن هل ثمة آلية لمتابعة القرارات التي ستعتمد؟ وهل يمكنكم مثلًا أن تقولوا لنا إن كانت هذه النبرة الودودة والهادئة بقيت كذلك في ما بعد في الاجتماعات المغلقة، أو هل جرت محادثات حادة إذا صح القول أو ما شابه؟ أما سؤالي الثاني فهو عما قلتم صباحًا وما كررتم للتو، وهو أن القرار الفرنسي بالبقاء في العراق لا يتوقف على القرار الأمريكي. وهذا يعني أنه في حال الانسحاب الأمريكي في نهاية العام الجاري، بصرف النظر عن القرار الأمريكي، ستبقى فرنسا منخرطة عسكريًا في العراق؟ وهل نملك من الناحية التشغيلية الإمكانيات اللازمة للبقاء في العراق دون تغطية أمريكية؟  

الرئيس إيمانويل ماكرون
للإجابة عن سؤالك الأول، أقول إنكم على حق فالنبرة كانت تدعو إلى التهدئة. وأعتقد أن ذلك مرتبطٌ بالعمل الذي قدّناه منذ عامٍ مضى لأننا كنا نتخيّل عقد هذا المؤتمر نوعًا ما منذ عام مع الرئيس ورئيس الحكومة. لذا عمل كلٌّ من العراق وفرنسا على تحقيق الكثير من التقارب والالتزام مع الجهات الفاعلة. وأعتقد أيضًا أن جميع القوى النافذة في المنطقة باتت مدركة أن السياق الحالي يفرض استئناف المحادثات والتعاون. وهل يعني هذا أن كل التباينات والخلافات قد اضمحلّت؟ كلا. لكننا اخترنا بالإجماع عدم التطرّق إليها على نحو مباشر أو فجّ إذا صح القول، وبالتالي لم يجرِ أي حديث جانبي بهذا الشأن. وسادت هذه النبرة عينها في الأحاديث الجانبية وعلى مأدبة الغداء في وقت لاحق. وهو أمرٌ مقصود لأننا نريد حقًا أن نستحدث هذه الصيغة الجديدة وأن نسعى إلى مواصلة العمل معًا، وتجدر الإشارة إلى أنها المرة الأولى منذ زمن بعيد حسبما أعتقد التي يجتمع فيها حول طاولة واحدة وزيري الشؤون الخارجية لكلٍّ من المملكة العربية السعودية وإيران ويتحدثان ويتداولان بشأن الموضوع عينه.
وتحقيقًا لهذه الغاية، قمنا جميعًا بالدرجة الأولى بإصدار قرار والموافقة عليه، ويتضمن هذا القرار صراحةً محاربة الإرهاب وإرساء الاستقرار ومكافحة التدخلات الخارجية، ولكننا اتفقنا أيضًا على آلية لمتابعة هذا المؤتمر. وتقتضي هذه الآلية تعيين مندوبين يعملون معًا، أولًا على التأكد من أن الأطراف يتقيّدون بالالتزامات التي قُطعت، وثانيًا من أجل استحداث مشاريع جديدة وتحديد الاحتياجات التمويلية وحشد المانحين الأجانب. واتفقنا أيضًا على تحديد مواعيد لعقد اجتماعات دورية، وسيُعقد أحد الاجتماعات بلا شك على المستوى الوزاري في غضون ثلاثة وستة أشهر، وآخر على مستوى رؤساء الدول والحكومات بحلول 10 إلى 12 شهرًا. واتفقنا على إمكانية أن نجري اجتماعات لمتابعة المؤتمر فيمدينة العقبة.
أمّا في ما يتعلق بقواتنا المنتشرة هنا وبالعمل الذي نقوم به، فلقد سبق وقلت إن الحضور الفرنسي في العراق يندرج ضمن حدود احترام السيادة العراقية من جهة أولًا. فإننا ومنذ اليوم الأول لا نتدخّل إلًا بناءً على طلب السلطات العراقية وموافقتها، وفي نطاق التحالف الدولي وفق هدف واحد وبسيط وهو محاربة الإرهاب. وإننا سنحافظ على حضورنا هنا بصرف النظر عن الخيارات الأمريكية، من أجل محاربة الإرهاب في العراق، طالما أن المجموعات الإرهابية تواصل أنشطتها وطالما أن الحكومة العراقية تطلب منا هذا الدعم. فهذان هما الشرطان الوحيدان اللذان يُبقياننا هنا. ولقد قمنا بالدراسات الضرورية التي بيّنت لي أننا نملك القدرات التشغيلية المطلوبة لضمان حضورنا في العراق مهما كانت الخيارات الأمريكية. وسنكيّف آليتنا لأن ثمة مسار واحد تتبعه فرنسا وهو محاربة الإرهاب المتطرف. وهذه هي الغاية من انخراطنا في منطقة الساحل، وهذه هي الغاية أيضًا من انخراطنا هنا في العراق. وتتّبع فرنسا كذلك أسلوبًا واحدًا لا يتغيّر في قيادة شؤونها الدولية، فإننا نتدخّل بدعم من الدول وبناءً على طلبها ووفق المتطلبات التي تحددها، وإننا نتدخّل في العراق ضمن هذا النطاق بالذات.

الصحفي
صباح الخير. في الملف الأفغاني، جرى يوم أمس أول اتصال بين فرنسا وحركة طالبان. فهل التزمت حركة طالبان بإمكانية مواصلة عمليات الإجلاء؟ وهل عمليات الإجلاء شرط لا غنى عنه لاحتمال عقد حوار معها؟ ومن جهة أخرى، التقيتم أمير دولة قطر منذ وقت قليل. ما المواضيع التي تطرقتم إليها؟ وكيف يمكن لقطر أن تساعد فرنسا في مواصلة عمليات إجلاء الأفغان؟  

الرئيس إيمانويل ماكرون
تؤدي دولة قطر دورًا مهمًّا منذ أشهر عدّة، يتمثّل في تنظيم مفاوضات مع حركة طالبان واستضافتها والمشاركة فيها، وذلك بناءً على طلب الأمريكيين والإدارة السابقة. وأودُّ في هذا السياق أن أُشيد بدور أمير دولة قطر وجميع موظفي السلك الدبلوماسي القطري الذين قادوا عملًا جبارًا والذين يضطلعون بدور في غاية الأهمية والنجاعة، وخاصة في هذا السياق الذي نمرّ به. وتعلمون أن حلفاءنا الأمريكيين يعملون في الوقت الراهن وفق الالتزامات التي تعهّدوا بها لحركة طالبان على إغلاق المطار العسكري الذي استخدمناه لإنجاز عمليات الإجلاء منذ منتصف شهر آب/أغسطس والذي أتاح لنا إجلاء 2800 مواطن فرنسي وأوروبي وأفغاني، وغالبية هؤلاء الأشخاص الساحقة هم من الأفغان الذين كنا نرغب في حمايتهم أو إعادتهم إلى وطنهم، ولقد أوقفنا أمس هذه العمليات. ونجري حاليًا مناقشات لكنها ما تزال هشّة ومؤقّتة للغاية، لذا فسأكون شديد الحذر في الإجابة عن السؤال. لكننا بدأنا مناقشات مع حركة طالبان بشأن موضوع العمليات الإنسانية والقدرة على حماية الأفغان المعرّضين للخطر وإعادتهم إلى وطنهم. 
وثانيًا، نعم إننا نقود عملًا مشتركًا مع دولة قطر وغيرها من الدول من أجل التمكّن من إنجاز هذه العمليات لأن دولة قطر ربما يكون لها القدرة، وهو أمر ما يزال مبهمًا، على إقامة جسور جوية لتنظيم عمليات الإجلاء، وفي جميع الأحول ستقوم بإعادة فتح بعض الخطوط الجوية ضمن شروط أمنية ما تزال قيد التحديد، وذلك في نطاق المناقشات التي أجرتها مع حركة طالبان. لذا سأبقى شديد الحذر، ولكن قد تتيح تلك المناقشات إجراء عمليات الإجلاء ضمن نطاق مختلف بطبيعة الحال على أن تكون قائمة بصورة أكيدة ومنهجية على التفاوض مع حركة طالبان التي ستوفّر الظروف الأمنية اللازمة لإجرائها.  
أمّا في ما يعنينا ولكي أكون شديد الوضوح معكم، لأنني أعلم جيدًا أن القلق يساور العديد من الأسر، لقد أعطينا البطاقات والإفادات إلى جميع الأفغان الذين وردتنا أسماؤهم والذين حصلنا على المعلومات للاتصال بهم والذين نعتبرهم مؤهّلين للمضي في إجراءات طلب اللجوء لكنهم يحتاجون إلى الحماية بسبب هويتهم والنضال الذي يقودونه. ولم يتمكّن مئات هؤلاء الأشخاص الذين حصلوا على البطاقات والإفادات من الوصول إلى المطار. ونجحنا في إجلاء 2200 شخص في الفترة الحرجة لكن ثمة مئات الأفغان الذين ما يزالون هناك. لذا يتمثّل هدفنا في أن نتمكّن في الأيام أو الأسابيع أو الأشهر المقبلة بالتعاون مع دولة قطر وفي نطاق المناقشات مع حركة طالبان من استئناف عمليات الإجلاء الرامية إلى حماية أولئك النساء والرجال الذين حددنا هوياتهم والذين أعطيناهم البطاقات المؤقتة. وإنه بوضوح شديد شرط بالنسبة إلينا لأي نوع من الالتزام السياسي والطويل الأجل وهو بالتالي إجراء يُلزم فرنسا وحلفاءنا إزاء حركة طالبان. ولقد تسنّت لي فرصة تكرير ذلك عدّة مرّات، وثمة قوائم طويلة جرت مناقشتها واستُنبطت من البيانات الصادرة عن مجموعة الدول السبع وغيرها. 
ولكن بالنسبة إلي، إن الشرط المسبق الأساسي لبدء المناقشات بشأن المستقبل والحصول على بعضٍ من عناصر الاعتراف أو التزام السياسي، يتمثّل أولًا في أن تحترم حركة طالبان القانون الإنساني احترامًا تامًا وفي حماية الأفغان الذين يرغبون في الخروج والحصول على الحماية، ولا سيّما اللجوء الدستوري. وهذا مهمٌ للغاية للفنانين والمفكرين والصحفيين والقضاة وللكثير من النساء. إنه الشرط الأول، أمّا الشرط الثاني فيتمثّل في التقيّد بالتزام واضح ووضع خطّ أحمر إزاء جميع المجموعات الإرهابية، والوضوح القابل للتحقق منه بهذا الشأن. والشرط الثالث هو احترام حقوق الإنسان ولا سيّما احترام كرامة المرأة وحقوقها. إنها مواضيع مهمة ونرغب في القيام بعمل منسّق وهذا ما قررناه في مجموعة الدول السبع، وهذا ما نقرره الآن مع شركائنا. ولقد تناقشت بذلك مع جميع شركائنا في المنطقة الذين يرغبون في التنسيق معنا في الإدارة السياسية لهذه المرحلة التي ستكون مضطربة حقًا ومتزعزعة كثيرًا، والتي يجب أن نتمسّك ببعض المبادئ الحازمة فيها.
وسأعطيكم الأرقام الدقيقة لعمليات الإجلاء، ولقد تسنّت لي فرصة الحديث عن ذلك عدّة مرات ولكن أود أن أضع لها إطارًا من هنا. قامت فرنسا التي لم تعد منخرطة عسكريًا في أفغانستان منذ نهاية عام 2014 بإجلاء 830 مساعدًا للجيش الفرنسي وعائلاتهم في المرحلة التي سبقت الأزمة التي نعيشها اليوم. وقمنا بهذا الإجراء على مهل وفي ظل أجواء هادئة من خلال الذهاب لملاقاة جميع الذين تقدّموا وتمكّنا من التحقق من بطاقاتهم وحماية أسرهم. ثم قمنا بعملنا وواجبنا على نحو ثابت وفي نطاق حق اللجوء، إذ تلقت فرنسا طلبات اللجوء من عشرات آلاف الأفغان في السنوات الماضية. وتلقت فرنسا بمعدل 10 آلاف طلب لجوء كلّ سنة، وتحظى فرنسا بأعلى معدلات تأمين الحماية في أوروبا أي ما يمثّل 89 في المائة وهو معدل يفوق بكثير البلدان الأوروبية الأخرى. وهنا أتحدث عن الأفغان الذين تقدّموا للحصول على حق اللجوء. والعنصر الثالث الذي أود التطرق إليه هو أننا قمنا بإجلاء جميع الموظفين المحليين وأسرهم من أجل حمايتهم، ما يمثّل زهاء 630 موظفًا، قبل بلوغ الأزمة ذروتها في منتصف شهر آب/أغسطس. وقمنا بهذا الإجراء منذ فصل الربيع الماضي. ولقد آخذنا البعض أحيانًا على ذلك موجّهين لنا التهمة بالتشاؤم وقتذاك. وإني سعيد اليوم لكوني كنت متبصّرًا، لا متشائمًا. ولقد تمكّنا قبل عمليات الإجلاء التي قمنا بها مؤخرًا من حماية جميع موظفي سفارتنا والمواطنين الفرنسيين. وثم في أوج الأزمة، تمكّنا من إجلاء 2834 شخصًا بالتحديد من الأراضي الأفغانية حتّى الساعة، من بينهم 142 فرنسيًا و17 أوروبيًا و2600 أفغاني لكي أُكون شديد الدقة في إعطاء الأرقام، وذلك بواسطة زهاء 15 رحلة جوية من الإمارات العربية المتحدة منذ 17 آب/أغسطس. ونجحنا في إنجاز ذلك بفضل التزام طاقمنا الدبلوماسي في مركز الأزمات والمساندة التابع لوزارة أوروبا والشؤون الخارجية الذي أشكره جزيل الشكر، لكون مدير المركز يرافق الوزير اليوم وسيضطلع بمسؤوليات وشيكة للدبلوماسية الفرنسية هنا. وأودُّ كذلك أن أنوّه بجميع الأفرقة العاملة في مركز الأزمات والمساندة وبالطبع بالأفرقة العاملة في كابول، من السفير والموظفين والجنود ورجال الشرطة.

الصحفي
صباح الخير السيد رئيس الجمهورية. ستتوجّهون يوم غد إلى الموصل التي بقيت سنوات طوال في قبضة تنظيم داعش. ما الرسالة التي ستوجهونها، ولا سيّما من موقع الجامع النوري الكبير حيث نصّب أبو بكر البغدادي نفسه خليفة الدولة الإسلامية؟ ولقد تحدثتم قبل قليل عن مكوّنات الشعب العراقي، فما الرسالة التي ستوجهونها لمسيحيي الشرق هنا؟ فبالأمس التقينا في بغداد أشخاصًا ينتمون إلى الطائفة الدومينيكانية الذين لا يعرفون كيف يمكن لمسيحيي الشرق أن يستعيدوا مكانتهم في المجتمع العراقي، رغم أعمال إعادة الإعمار. وشكرًا.
 

الرئيس إيمانويل ماكرون
أعتقد أن أحد الرهانات يتمثّل في أن تستعيد كل مكوّنات الشعب العراقي مكانتها كما تقولون. وأعتقد أن هذا هو هدف حضورنا والتزامنا، وهو الهدف عينه الذي يُرشد التزامنا الأخوي والقلبي إزاء لبنان. فثمة بعض البلدان في المنطقة التي تحمل هذه التعددية في تاريخها. وتعمل فرنسا جاهدةً على الدفاع عن هذه التعددية لأنها شرط أساسي لاستقرار المنطقة ولأنها تعبّر عن احترام التاريخ، لذا فإننا ملتزمون على الدوام بدعم مسيحيي الشرق، وملتزمون أيضًا بالوقوف إلى جانب جميع الأقليات وجميع الطوائف.
وسأتوجّه يوم غد إلى مدينة الموصل العريقة كما ذكرتم وسأزور الجامع النوري الكبير الذي يعود تاريخ تشييده للمرة الأولى إلى آلاف السنين والذي يشهد على تاريخ غاصب حديث العهد عرفته البلاد، ولا سيّما انتشار تنظيم داعش. لذا وبكلّ بساطة سأوجّه رسالة تدعو إلى استعادة السيادة وليس فقط استعادة حياة طبيعية إنما أيضًا استعادة الثقافة وإمكانية أن يمارس كل فرد شعائره الدينية دون خوف، ولأن المجتمع الدولي عمل على هذا الموقع. وتتمثّل أولويتنا في ترميم هذه الأماكن وتعمل فرنسا من أجل أعمال الترميم، عبر منظمة اليونسكو، وأودُّ أن أُشيد بمشروع "إحياء روح الموصل" الذي استهلته منظمة اليونسكو وكذلك عبر أعمال التحالف الدولي لحماية التراث في مناطق النزاع الذي يعمل بالتعاون مع متحف اللوفر على ترميم جامع الموصل الكبير الذي يقع على مقربة من الجامع النوري الكبير والذي نقيم فيه حاليًا أعمال ترميم. وتدعو الرسالة التي سنوجهها إلى إعادة الإعمار بكل ما للكلمة من معنى وإلى التزام فرنسا والمجتمع الدولي بإصلاح ما قامت به بعض الأيدي من إساءة إلى دين معيّن وتشويهه وتحويره كي تدافع عن مشروع ظلامي وجرائمي وقع العراقيون والمسلمون العراقيون ضحيته قبل سواهم.
وبما أننا سنلتقي يوم غد أشخاصًا ينتمون إلى الطائفة الدومينيكانية أيضًا، سنجري محادثات بطبيعة الحال لكي نذكّر بالدور الذي تضطلع به فرنسا إزاء مسيحيي الشرق في العراق بوجه خاص وفي المنطقة برمتها بوجه عام. فهذه الرسالة كما سبق وذكرت هي رسالة حضارية، وجغرافية سياسية أيضًا. فلا مجال لإقامة توازن ما لم تُحترم هذه الطوائف ولا مجال لكي يبقى العراق .... وسنزور أيضًا كنيسة سيدة الساعة وتقول جميع الطوائف المسيحية إنها تمارس شعائرها بسلام وإنها ترغب في الاستمرار على هذا المنوال. لذا أنتهز هذه المناسبة في هذا الوقت بالذات لكي أُشيد بالعمل الرائع الذي تقوم به الطوائف في المجالات التربوية والطبية والاجتماعية إزاء جميع الأشخاص وليس إزاء المسيحيين وحسب. إنه التزامٌ من أجل السلام والعيش المشترك السلمي الذي يجب الحفاظ عليه. وأعيد وأكرر أن فرنسا تدعم في هذا الصدد تلك الأنشطة في إطار مشروع "صندوق الأقليات" منذ عام 2017، فهي تموّل مشاريع مختلفة لفائدة مسيحيي العراق على الصعيدين الاجتماعي والطبي بقيمة إجمالية بلغت 6 ملايين يورو. ونموّل أيضًا مشاريع تربوية في المدارس مثلما ذكرت في وقت سابق بهدف نشر الفرنكوفونية وقيمها التي تدعو إلى السلام والعيش المشترك السلمي في المنطقة. ويقدم صندوق دعم المدارس المسيحية الفرنكوفونية في الشرق الذي أعلنت إنشاءه من القدس في كانون الثاني/يناير 2020، الدعم المالي لثلاث مدارس في العراق. وسأذكّر يوم غد بأنني طلبت أن نقدّم المزيد من الدعم في الأشهر المقبلة، ولقد تحدثنا بذلك مع صاحب السيادة الأب باسكال غولنيش ومع الوزير جان إيف لودريان وسنعمل على زيادة أنشطتنا. ثم ستتسنى لنا فرصة الإعلان عن استثمارات عملية تقوم بها فرنسا مع التحالف الدولي لحماية التراث في مناطق النزاع من أجل دور العبادة وأعمال الترميم المرتقبة. إنه لعمل يعبّر عن الصمود في ظل هذه الأيام الظلامية التي نعيشها. لكن هذه الأعمال التي تعبّر عن الصمود أساسية وتحظى بمواكبة فرنسية في مشاريع عملية وفي المسار الذي ننتهجه، أي إننا نعمل على الدوام وإزاء الحكومات والمنطقة برمتها، على حماية جميع هذه الطوائف والدفاع عنها ولا سيّما عن مسيحيي الشرق. وشكرًا.
 

À consulter également

Voir tous les articles et dossiers